زِدني اشتياقًا كيْ أَزيدَ هُطولَا
ما كانَ شَوْقُ الواجدِينَ فُضولَا

زِدني وقَرِّبْ جذوةَ النّارِ التي
قَبَسَ الكليمُ وما أطاقَ ذُهولَا

زِدني لِكيْ ما أستحيلُ يمامةً
سَجَعَتْ، فسالَ بها الحَنِينُ هَديلَا

ذَكَرَتْ عُهودًا في الحِمَى فكأنّها
حَمَلتْهُ فوقَ جبينِها إكليلَا

أوْ أنّها ما فارقَتْ عُودًا ذَوَى
إلَّا لِيَعْزِفَ نايُهُ ترتيلَا

قَدْ أَسرَجَتْهُ الرِّيحُ نارَ ضلوعِهِ
تَضْرَى، وما كانَ الرّمادُ بخيلَا!

وابيضّتِ الكفّانِ تحتَ جَنابِهِ
ما كانَ سُوءًا دأبهُ بلْ سُولَا

وابيضّتِ العَينانِ، أينَ مبشِّرٌ
مِنْ عندِ غائبِها يكونُ رسولَا

نارٌ بسِرِّ النّورِ في أعطافِها
نَضَجَ الفؤادُ مواسمًا وفُصولَا!

ما ضَرَّهُ -إنْ قلتَ: (كُوني)- لَفْحُها
هلْ كانَ ضَرَّتْ- في هَواكَ- خليلَا؟!

زِدني، وقُلْ لِلعادياتِ تَهيَّئي
أَوْرِي صباحَكِ يا جِيادُ، أصيلَا

لَا أينَ عندي كيْ أُيَمِّمَ وِجهةً
لِأَراكَ، كُلُّ الأَينِ صارَ وُصولَا

فهُنا هنالك، أَمْ هنالكَ ها هنا
هذي مَسالكُ مَنْ أضاعَ دليلَا

لكنْ نُقوشُ الرُّوحِ تَعرِفُ وشْمَها
تَسْري فتُبْصِرُه لها قنديلَا

وتَنوسُ كالضّوءِ المُخالسِ غيمةً
بَكَرَتْ فأَوقَدَها الحنِينُ فَتيلَا

لِتصيرَ محرابًا لِكُلِّ تبتّلٍ
تذْرِي سحابًا في الصّدورِ هطولَا

أنا ما نَسِيتُ العهدَ، ضجّتْ أَضْلُعٌ
ورَفيفُ قَلْبٍ لَمْ يَزَلْ متبولَا

مَنْ ذا يُعيدُ الأمسَ، ما مِنْ لوعةٍ
إلَّا تقولُ: أنا العهودُ الأولى!

لملمْتُ أجزائي، وجُزْتُ تَهدُّمي
ودعوتُ يا أَهْلَ السّبيلِ، سبيلَا!

image